قلبه مملوء بالله والحب.. لا يهتز بالمتاعب
فيكتور سلامة
جاء يوم 18 يوليو هذا العام - والذي يؤرخ لمرور 54 عاما علي رهبنة قداسة البابا شنودة الثالث - وقداسته بعيد عن أرض الوطن في رحلة علاج بأمريكا.. الاحتفال بعيد رهبنة قداسته هذا العام اقتصر علي بعض محبيه الذين توافدوا لزيارته مهنئين.
وطني رأت ألا تمر هذه المناسبة دون أن تحتفي بها من خلال رصد مسيرة أب الآباء نحو الرهبنة.. يوم اتجه الأستاذ نظير جيد إلي البرية وما تلاها من عطاء للراهب أنطونيوس السرياني الذي اختارته العناية الإلهية بابا وبطريركا وخليفة لمارمرقس الرسول فتمتد الكنيسة القبطية لتشع بنورها في كل أرجاء المسكونة.. وقفة نسترجع فيها الذكريات الحافلة بالعطاء لصاحب القداسة غبطة البابا المعظم الأنبا شنودة الثالث بابا الإسكندرية ورأس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وراعي رعاة شعبها وكاروزها.
* البداية..
** كانت البداية تحديدا يوم الخميس 15 يوليو 1954.. حمل الشاب نظير جيد متاعه واتجه إلي دير السريان في وسط برية شيهيت.. لم تكن المرة الأولي فمرات كثيرة ذهب إلي هناك وقضي أياما وعاد, ولكن هذه المرة كان قد قرر ألا يعود.. ورحب الأنبا ثاؤفيلس رئيس الدير بالشاب القادم من كنيسة الأنبا أنطونيوس بشبرا.. وفتح اله قلاية الكرنك ليبدأ من اللحظة حياة النسك والبتولية.. وتمضي ثلاثة أيام وتأتي أول أحد - 18 يوليو - وفي القداس الإلهي بكنيسة العذراء بالدير تتم طفوس رهبنته بيد الأنبا ثاؤفيلس.. وأصبح نظير جيد الراب أنطونيوس السرياني حاملا اسم حبيبه القدس أب الرهبان.. وكان الرب - منذ ذلك اليوم - يجهز هذا الراهب ليصير أسقفا للتعليم ثم بابا للكنيسة كلها.
كان الراهب أنطونيوس يشتاق إلي حياة التوحد فترك القلاية وذهب إلي مغارة في قلب الصحراء تبعد عن الدير عدة كيلو مترات ومنها انتقل إلي مغارة تبعد تسعة كيلو مترات في منطقة تسمي البحر الفارغ.. ولأن كل شئ بتدبير من الرب يحتاج الدير - بعد أن سيم الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف الراحل أسقفا - يحتاج الدير إلي أمين فطلب الأنبا ثاؤفيلس من الراهب أنطونيوس السرياني أن يتولي عمل أمين الدير.. وبكل الطاعة والمحبة ترك المغارة وحياة الوحدة وعاد إلي الدير ليعيش مع إخوته الرهبان حياة الشركة.
* من الدير إلي البطريركية
** لم يكن الراهب أنطونيوس السرياني يتصور أنه سيترك الدير يوما, لولا حيلة مباركة استخدمها قداسة البابا كيرلس السادس, حينما استدعاه لحوار قصير بالبطريركية, وبينما احلديث يدور بينهما, وضع البابا كيرلس يده - بكل قوة - علي رأسه وقال شنودة أسقفا للتعليم بالكنيسة القبطية.. وأسقط في يد الراهب الذي أحد العزلة والدير, بل قضي سنوات في المغارة لا يري إنسانا, ولا يهتم بأن يراه إنسان.. وصار الراهب أنطونيوس الأنبا شنودة أسقفا للتعليم يجول في أنحاء البلاد يعلم بزسلوب أخاذ ومتميز, ويلقي العظات الأسبوعية, ويقوم بالتدريس في الكلية الإكليريكية..
** في صباح الثلاثاء 9 مارس 1971 نادت السماء البابا كيرلس السادس بعد أن أكمل السعي وأدي الأمانة وانتهت رسالته كرئيس للكنيسة المجاهدة.. وكان الرب يهيئ الراعي الصلاح.. وتجئ القرعة الهيكلية بأسقف التعليم الأنبا شنودة ليحمل اسم البابا شنودة الثالث البطريرك السابع عشر بعد المائة, ويتسم عهده بنهضة كنسية شاملة ونهضة رهبانية واضحة.. أعاد قداسته الحياة الرهبانية إلي أديرة أثرية قديمة مثل دير الأنبا باخوم بجاجر إدفو, ودير مارجرجس بالرزيقات, ودير الأنبا باخوميوس الشايب بالأقصر, ودير مارمينا المعلق بأبنوب, ودير الأنبا أنطونيوس بالقدس, ودير الأنبا شنودة بسوهاج, ودير الملاك بالفيوم, ودير أبوفانا بملوي.. وأسس قداسته دير مارجرجس بالخطاطبة, وأعاد الحياة الرهبانية إلي دير القديسة دميانة بالبراري بلقاس واهتم بأديرة الراهبات التي نمت نموا واضحا في عهده.. ونقل قداسته الروح الرهبانية إلي المهجر فأنشأ العديد من الأديرة هناك.
* رحلة المرض
** نيافة الأنبا يوأنس سكرتير قداسة البابا لأكثر من 17 عاما قال: أراه قلبا مملوء بالله, كما يقول معلمنا القديس بولس الرسول تمتلئوا إلي كل ملء الله ولذلك فهو قلب مملوء بالحب, قلب كبير يحوي بداخله الكرازة المرقسية كلها.
** يقترب بنا نيافة الأنبا يوأنس من قداسة البابا في مرضه وهو يرافقه في حلة علاجه فيقول: أراه نفسا قوية بالله لا تهتز بالضيقات إطلاقا.. لكما يقول قداسته في كتاب خبرات في الحياة عودت نفسي في تعاملي مع المتاعب أن أتركها خارجا لا أدخلها إلي أعماقي, ولا أسمح لها أن تمارس ضغوطا في نفسي, لا أفكر مطلقا في تعب أو ألم أنا أضعها أمام الله.
* روح الفرح
** يضيف نيافة الأنبا ويأس: لا أذكر يوما واحدا لم زر سيدنا البابا فرحا بشوشا وروح المرح لا تفارقه في أشد لحظات المرض.. وقداسته يقول للمرضي: حاولوا أن تستفيدوا من المرض, ولا تتذمروا عليه.. اعرفوا أنه لم لم يكن المرض لفائدتكم ما سمح الله به.. وهناك عبارة للقديس باسيليوس الكبير - في مرضك لا تطلب الصحة لأنك لا تعرف ما المفيد لك المرض أم الصحة - والقديس بولس - كما ورد في سفر الأعمال - جاءت له شوكة في جسده فطلب من الله أن يشفيه, فأجابه الرب - تكفيك نعمتي - كان الرب يقصد أن المرض مفيد له, ربما تكون الخدمة تحتاج إلي الصحة ولكن الله كان يهمه حياته الشخصية, وبقي بولس بهذا المرض بينما كانت اللفائف والمناديل التي علي جسده يتبادلها الناس فتشفي الأمراض وتخرج الأرواح الشريرة.
ويضيف قداسة البابا أنه كان قد كتب مقالا بعنوان فوائد الألم قال فيه إن الألم مفيد, وأصعب الأمراض هي الأمراض التي لا يشعر فيها المريض بألم بينما هي تنخر في الجسم في حين لا يأخذ المريض لها علاجا لأنه لا يشعر بألم, من هنا فالألم مفيد لأنه إنذار لكي يبدأ العلاج.
* في الانتظار
** كلمات نيافة الأنبا يوأنس تحمل الاطمئنان إلي كل القلوب القلقة والمتعطشة لقدوم قداسة البابا إلي أرض الوطن.. ونحن - كل شعب مصر - أقباطا ومسلمين في انتظار عودة قداسته في ملء الصحة والعافية..
--------------------------------------------------------------------------------
الطباعة ارسل الموضوع لصديق